روابطٌ إنسانيةٌ

2020-07-19
روابطٌ إنسانيةٌ
طالب زعيان / العراق
 
منذ أنْ خُلِقتْ البشريةُ, ترافقُها سمةُ التعايشِ السلمي والتسامح, تحدثُ صراعاتٌ هنا وهناك, لكنّها تكونُ خارجيةً, ليستْ في داخلِ المجتمعِ الواحدِ, وأنْ حصلتْ فيه سرعان ما تنتهي, بالرغمِ مِنْ تعددِ الأديانِ والمذاهبِ والثقافاتِ والأفكارِ فيه,
فليس مِنْ السهلِ تفكيكُ مجتمعٍ, تربطهُ روابطٌ مشتركةٌ عريقةٌ إنسانيةٌ, تجاوزتْ حتى الرابطِ الديني, منها:
الرابطُ الثقافي رابطُ الكلمةِ والحرفِ, رابطُ المثقفِ والشاعرِ والكاتبِ والرسامِ, وكلُّ مَنْ يحملُ فكراً وقلماً حراً, ليسوا مستعدين على تقسيمِ أرثِهم الثقافي والكتابي, الذين قضوا نصفَ أعمارِهم أو أكثر فيه, يرسمون بكلماتِهم مجتمعاً, كحديقةٍ مليئةٍ بالوردِ, ألوانُها مختلفةٌ, عطرُها ينعشُ الجميعَ,حلاوةُ الأشياءِ في تنوعِها, تستمتعُ القارئَ الجيدَ بنص مميزٍ, ليشعرَ بلذتِهِ, بغضِ النظرِ عن كاتبِهِ,فأهدافُهم واحدةٌ, تسمو إلى مجتمعٍ قوي محبٍ رصينٍ,المثقفُ يحملُ مسؤوليةً تاريخيةً, أكثرُ مِنْ الرجلِ السياسي, الذي نظرهُ أحياناً لا يغادرُ مساحةَ كرسيهِ, ربمَّا تفكيكُ المجتمع يخدمُهُ.
هناك الكثيرُ مِنْ أهلِ الكلمةِ الصادقةِ, ماتوا وقلوبُهم تعتصرُ دماً على بلادِهم, فالكاتبُ والمثقفُ هما صمامُ أمانٍ على وحدةِ المجتمعِ مِنْ تمزيقِهِ, وعدم أخذهُ إلى طرقٍ وعرةٍ, تجلبُ له كلَّ الويلاتِ والدمارِ له.
هناك رابطٌ يوازيه, وهو الرابطُ الاجتماعي, يربطُهم العرفُ المجتمعي, مِنْ العاداتِ والتقاليد المبنيةِ على الاحترامِ المتبادلِ بين الفردِ أو بين الجماعاتِ, خاصةً نحن مجتمعٌ عشائري, تربطُهُ مواثيقٌ وعهودُ, تتماشى مع الزمانِ والمكانِ, أيْ بمعنى ليستْ جامدةً, لا يجوزُ تجاوزها, بل هي خطوطٌ حمراءُ, تحافظُ على وحدةِ المجتمعِ.
تأتي الإنسانيةُ التي تعتبرُ أقوى الروابطِ, حتى مِنْ الرابطِ الديني, والمفارقةُ الجميلةُ, أنَّ الإنسانيةَ, ولدتْ مِنْ رحمِ الأديانِ, لكن لا يحدُها دينٌ, أو مذهبٌ, أو طائفةٌ, أو قوميةٌ, فهي تجمعُ الكلّ على الودِ والمحبةِ, بغضِ النظرِ عن معتقداتِ الفردِ الدينيةِ, تاركةً له الحرية في العبادةِ مع الخالقِ, يعبدُ كيفَ ما يشاءُ, لا تتعارضُ مع الحريات, ولا مع حقوقِ الآخرين.
فهي لا تبحثُ عن جنسيةٍ أو لونٍ, بل عن معاملةِ الإنسانِ مع ذاتهِ ومع الآخرين, قانونُها يطبقُ على الجميع, حيثما يجدُ الفردُ عدلاً, يكون أكثر إنسانية, حتى مع الكائناتِ الحيةِ الأخرى.